✦ ذكرى وندم ✦
هذا الدرس يقدّم نص «ذكرى وندم» من رواية مالك بن نبي – حجّ الفقراء (ترجمة: زيدان خويلف، دار الفكر، دمشق، 2009). نقرأ المشهد الأخير من حياة زوجية انهارت بسبب الإدمان، ثم نفهم العِبرة: الندم لا يُصلح ما أفسدته لحظة طيش؛ لذلك نختار الوعي بدل الانفعال.
❖ السند
استرجع الآن إبراهيم مشهدًا واحدًا، ذلكم هو المشهد الأخير من حياته الزوجية: كانت الساعة الثانية زوالًا، وفي البيت الذي يُقيم فيه العمّ محمد حاليًا، حيث يسكن مع زهرة في الطابق العلوي. في هذا اليوم دخل صباحًا مخمورًا، إلى حدّ لم يبلغه قطّ من قبل. وفي الساعة الثانية بعد الظهر استيقظ كالعادة بعد ليالي عربدته، وكانت زهرة تنتظر استيقاظه لتضع «الميدة».
كانت جالسةً على إهاب خروف موضوع في «الصحن»، هذا الرواق الذي تُطلّ عليه غرف المنازل ذات الطراز المغاربي. وقد عادت بعد أن قامت بغسل بعض الملابس لقتل الوقت، وارتسمت على صفحات وجهها رِقّة وحزن كمن به مرض عضال. إنّها تعاني منذ مدة من سلوك إبراهيم غير السويّ الذي كان يعذّبها، خاصةً بعد انتقال والديه إلى الرفيق الأعلى.
وفي هذا اليوم وعلى غير عادتها كانت هادئةً. وكان الجو رائعًا في هذا اليوم الربيعي. وبجوار أعمدة الرواق هنالك قفص معلّق، بداخله كروان أصبح مع مرّ الزمن رفيقًا لزهرة حتى إنّها كانت تُغنّي لتغريده، وكلما رأته ساكنًا على أرجوحته تأتي لتكلّمه. كانت زقزقته كافية لتُشعرها بالرفقة، خاصة عندما كانت تنتظر استيقاظ زوجها بعد الزوال أو عودته من الحانة.
وهي ترفع القفص، أطلق العصفور زقزقات تأثّرت بها زهرة فطَفِقت تشدو بأغنية شجية تُهدّي روحها دائمة الحزن، إلى درجة أنّها لم تسمع زوجها الذي ناداها مرّتين أو ثلاثًا من داخل الغرفة عندما استيقظ، وراح يُتابع المشهد من العتبة وهو لا يزال نصف مخمور. أحسّ إبراهيم أنّ زهرة لا تعيره اهتمامًا كافيًا مثل الذي تُعيره للعصفور؛ لذلك استشاط غضبًا بسبب إهانة كبريائه، ثم انقضّ على القفص دون أن يَنبس بكلمة واحدة وألقى به في صحن البيت.
فأطلقت زهرة صرخة ألم، وهبطت السلالم مسرعةً لتأخذ القفص حيث لفظ العصفور آخر أنفاسه. غير أنّها لم تصعد مرة أخرى، ولم يرها إبراهيم منذ ذلك اليوم إلا مرةً واحدة عند القاضي الذي أعلن طلاقها منه.
مالك بن نبي – حجّ الفقراء، ص10
❖ أتهيّأ
سأل القاضيُ المتّهم: «لماذا فعلت؟» فأجاب: «الطيشُ والتسرّع». ثم قال القاضي: «الندم لن يعيد المفقود؛ لكنه سيبقى ذكرى تُؤرّقك». إذن، هل تُرافق كلّ ذكرى سيئة مشاعرُ ندم؟ أجل، غالبًا؛ لأنّ العاقل يتعلّم من العاقبة، وبالتالي يُغيّر سلوكه قبل فوات الأوان.
❖ أفهم وأناقش
- الشخصيتان البارزتان: إبراهيم وزوجته زهرة.
- الآفة: شرب الخمر؛ إذ قاد إلى تهوّر، ثم إلى قرار جارح.
- النتيجة: الانفصال عند القاضي؛ لأن العلاقة انهارت.
- مشكلة زهرة: عانت سلوك زوجها، فبحثت عن الرفقة في تغريد الكروان.
- السبب المباشر للطلاق: تحطيم القفص وموت العصفور؛ ومن ثَمّ مغادرتها البيت.
❖ الفكرة العامّة
- زجاجة الخمر فرّقت بين إبراهيم وزهرة، وتركت وراءها ذكرياتٍ مؤلمةً وندمًا طويلًا.
- بين لحظة الطيش وكلفة الندم مسافةٌ قصيرة؛ لذلك يختار الحكيم التعقّل قبل الفعل.
❖ رصيدي المعجمي
| الكلمة/التركيب | المعنى |
|---|---|
| عربدته | طيشه ولهوه مع السكر |
| السويّ | السليم القويم |
| الحانة | مكان شرب الخمر |
| مخمور | سكران |
| انقضّ | تهجّم واندفع بقوة |
| ينبس | ينطق |
| كروان | طائر حسن الصوت |
| استشاط | اشتعل غضبًا |
❖ مخطط السرد
| الحدث الأول | الحدث الثاني | الوتيرة الزمانية |
|---|---|---|
| إبراهيم يسترجع المشهد الأخير من حياته الزوجية؛ وزهرة تنتظر استيقاظه. | شعور بالاحتقار؛ ثم تحطيم القفص؛ فموت العصفور. | صباحًا → بعد الظهر → بعد الزوال → عند القاضي. |
| معاناة زهرة من سلوك غير سويّ. | مغادرة زهرة البيت وطلاقها نهائيًا. | تتابع زمني واضح يقود إلى النهاية. |
❖ الأفكار الأساسية
- الفكرة الأساسية 1: استرجاع إبراهيم لآخر ذكرى من حياته الزوجية.
- الفكرة الأساسية 2: معاناة زهرة وشعور إبراهيم المجروح؛ ثم فعلٌ انفعاليّ مؤذٍ.
- الفكرة الأساسية 3: مغادرة زهرة وطلاقها؛ ومن ثَمّ بقاء الندم ذكرى مُلازمة.
❖ المغزى
- قال تعالى: «إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه».
- كلّما فُتحت الزجاجة، فُتح معها بابُ مشكلاتٍ جديدة؛ لذلك يُغلق العاقل هذا الباب مبكّرًا.
- الندم لا يُصلح ما فات؛ بل يُصلحه تجنّب أسبابه من البداية.
❖ بنية النص وأنماطه
أ) النمط الغالب: السَّرد
- أفعال الماضي: استرجع، دخل، استيقظ، ناداها… تبني حركة الأحداث.
- روابط زمانية: صباحًا، بعد الظهر، بعد الزوال… تنظّم التتابع.
- ضمائر الغائب: تضمن وحدة الحكي.
- تعاقب منطقي: سبب ⇒ نتيجة (غضب ⇒ تحطيم ⇒ فراق).
ب) النمط المساعد: الوصف
- نعوت دقيقة: الطابق العلوي، ذات الطراز المغاربي، أغنية شجيّة…
- مضارع للحال: تُغنّي، تُكلّمه، تُشعرها…
- تفاصيل مكانية: الصحن/الرواق/الأعمدة/القفص تعمّق المشهد.
❖ الاتساق: الروابط في الفقرة [انقضّ على القفص… طلاقها منه]
نص الفقرة المختارة يؤكّد تماسك السرد؛ لأنه يستخدم روابط متنوّعة:
- حروف العطف: الفاء (فانقضّ، فأطلقت، فهبطت) للتعاقب السريع، والواو (وألقى، ولم يرها) للجمع.
- أداة سببية/نتيجية: «حيث» لربط الفعل بالنتيجة (حيث لفظ العصفور…).
- أداة استدراك: «غير أنّ» لتغيير مسار الحكاية نحو قرار الفراق.
- ضمائر إحالية: (ها، ه) تحفظ مرجع الشخصيات والأشياء.
- ظرف زمان: «منذ ذلك اليوم» يغلق القوس الزمني ويثبت النهاية.
❖ أقوِّم مكتسباتي
- اكتب فقرة (6–8 أسطر) توضّح كيف يتجنّب الشاب لحظة الطيش التي تُنتج ندمًا طويلًا؛ استشهد بمشهد تحطيم القفص.
الإجابة : يتجنّب الشاب لحظة الطيش حين يتدرّب على التوقّف لثوانٍ قبل أي ردّ فعل، فيسأل نفسه: ما نتيجة هذه الحركة بعد ساعة أو غدًا؟
ثمّ يختار التعبير بالكلام بدل اليد، لأنّ الحوار يطفئ شرارة الغضب.
ولكي ينجح، يبتعد عن رفاق الاستفزاز ويقرّب من يشجّعه على الحِلم، كما يملأ وقته بأنشطة نافعة تُخفّض التوتّر.
وإذا شعر بأنّ الغضب يتصاعد، فليغيّر المكان والهيئة فورًا: يقوم إلى الوضوء، أو يخرج للمشي، أو يؤجل القرار.
ويتذكّر دائمًا مشهدَ تحطيم القفص في قصة «ذكرى وندم»: غضبٌ خاطف حطّم عصفورًا صغيرًا، ثم حطّم بعده حياةً كاملة؛ لو امتلك إبراهيم لحظةَ وعيٍ واحدة لما فقد زوجته.
بعد ذلك، يراجع الشاب أخطاءه كتابةً، ويضع بدائل سلوكية مثل: «إذا أهانني أحد، فسأعدّ للعشرة ثم أتكلم».
وأخيرًا، يجعل لنفسه قدوةً في الرِّفق، لأنّ الاقتداء اليومي يرسّخ عادة التعقّل ويمنع قراراتٍ يطول ندمها.
-
- حوّل وصف المكان (الصحن/الرواق/القفص/الطراز المغاربي) إلى خريطة ذهنية من ثلاث طبقات: مكان ⇐ مشاعر ⇐ قرار.
- استخرج ثلاثة روابط زمانية من النص، ثم بيّن أثرها في تماسك السرد.
الإجابة:
-
-
- الرابط الزماني: صباحًاالأثر: يحدد بداية الأحداث ويُظهر حالة إبراهيم وهو يدخل مخمورًا، ممّا يمهّد لتطور الصراع.
-
-
-
- الرابط الزماني: في الساعة الثانية بعد الظهرالأثر: يوضح زمن الاستيقاظ ويُبرز انتظار زهرة، فيزيد من التشويق ويعطي تسلسلًا دقيقًا.
-
-
-
- الرابط الزماني: بعد الزوالالأثر: يربط بين مشهد انتظار زهرة والغناء للعصفور وبين انفعال إبراهيم، مما يحافظ على انسجام الأحداث.
-
✦ الخلاصة: هذه الروابط الزمانية تجعل السرد مترابطًا، إذ تُظهر تعاقب الأحداث بوضوح، وتُعطي القارئ تصورًا زمنيًا دقيقًا لمسار القصة.